کد مطلب:167890 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:231

سبع فوائد تحقیقیة
1) اختلف المؤرّخون فی یوم خروج الامام علیه السلام من مكّة المكرّمة، فذكر بعضهم أنّ خروجه علیه السلام كان فی الیوم الثالث من ذی الحجة، [1] وذكر آخر أنه كان فی الیوم السابع منه، [2] وقال آخر إنّ ذلك كان فی الیوم العاشر منه، [3] والصحیح هو أنّ خروجه علیه السلام من مكّة كان فی الیوم الثامن من ذی الحجّة، بدلیل قول الامام الحسین علیه السلام نفسه فی رسالته الثانیّة إلی أهل الكوفة، إذ ورد فیها: (... وقد


شخصتُ إلیكم من مكّة یوم الثلاثاء لثمانٍ مضین من ذی الحجّة یوم الترویة..)، [4] وبدلیل ما ورد عن الامام الصادق علیه السلام فی أكثر من روایة [5] أنّ الامام الحسین علیه السلام خرج من مكّة المكرّمة یوم الترویة أی الیوم الثامن من ذی الحجّة الحرام.

2) خرج الامام علیه السلام من مكّة بجمیع الاعلام [6] الذین قدموا معه إلیها من المدینة المنوّرة، والذین انضموا إلیه فی الطریق بین المدینة ومكّة، [7] عدا مسلم بن عقیل علیه السلام الذی أرسله الامام علیه السلام إلی الكوفة قبله، وعدا سلیمان بن رزین (رض) الذی أرسله الامام علیه السلام برسالته إلی رؤساء الاخماس ‍ فی البصرة وأشرافها. كما خرج الامام علیه السلام بجمیع من انضمّ إلیه فی مكّة من الاعلام عدا قیس بن مسهّر الصیداوی (رض)، وعبدالرحمن بن عبداللّه الارحبی (رض)، وعمارة بن عبیداللّه السلولی، الذین بعثهم الامام علیه السلام مع مسلم بن عقیل علیه السلام إلی الكوفة، [8] وعدا سعید بن عبداللّه الحنفی (رض) وهانی بن هانی الذین بعثهما الامام علیه السلام إلی أهل الكوفة برسالته الاولی إلیهم قبل إرساله مسلماًعلیه السلام إلیهم. [9] .

3) لایعنی خروج الركب الحسینیّ من مكّة فی السحر أو فی أوائل الصبح أنّ خروجه كان سرّاً لم تعلم به السلطة الامویة ولم یعلم به الناس، ذلك لانّ الامام علیه السلام كان قد أعلن عن موعد حركة الركب الحسینیّ وساعة خروجه فی خطبته المعروفة بعبارته الشهیرة (خطَّ الموت علی ولد آدم مخطّ القلادة علی


جید الفتاة)، حیث قال علیه السلام فی آخرها (فمن كان باذلاً فینا مهجته، موطّناً علی لقاء اللّه نفسه فلیرحل معنا، فإننی راحلٌ مصبحاً إن شاء اللّه تعالی)، [10] وكان الامام علیه السلام قد خطب هذه الخطبة فی عموم الناس لافی أصحابه خاصة. [11] .

4) من المعلوم تحقیقاً و ان كان المواجهة العسكریة العلنیة مع الامام الحسین علیه السلام داخل مكّة أو علی مشارفها لم تكن فی صالح السلطة الامویّة، وكانت السلطة الامویّة تعلم ذلك جیّداً، الاّ انهم بأمر یزید صمموا لكی یغتالوالامام الحسین علیه السلام و ان كان معلّقاً باستار الكعبة و مع رحیل الامام الحسین علیه السلام من مكه فشلت نقشتهم كما أنّ هذه الحقیقة لم تكن لتخفی علی الامام علیه السلام، وذلك لانّ الامویین یعلمون ماللامام الحسین علیه السلام من منزلة سامیة وقداسة فی قلوب المسلمین، فاغتیا له خفیتاً كان اولی عندهم من المواجهه فالمواجهة العسكریة معه داخل مكّة أو عند مشارفها تعنی بالضرورة تألیب قلوب جماهیر الحجیج علیهم، وتأییدهم للامام علیه السلام، وانتصارهم له وانضوائهم تحت رایته، وهذا هو (تفاقم الامر) [12] الذی یخشاه الامویون.

فضلاً عن أنّ الملتفّین حول الامام علیه السلام وهو لمّا یزل فی مكّة كانوا كثیرین، بدلیل أنّ الركب الحسینیّ الخارج من مكّة كان كبیراً نسبیاً.

وفضلاً عن أنّ مكّة وهی مدینة دینیة مقدّسة عند الجمیع، لم تكن للسلطة


الامویة فیها بالفعل إلاّ قوّة محدودة تكفیها لتنفیذ وضبط الامور الاداریة والقضائیة، وتنظیم حركة الحجیج، وحراسة السلطان، وحفظ الامن الداخلی فعلیه فكان یمكن لهم ان ینجّزوا اعتیال الام ولاتكفیها لمواجهة تمرّد أو انقلاب تقوم به جماعة كبیرة ذات عدّة واستعداد ان كان الاغتیال ممكن وهذا أیضاً شأن المدینة المنوّرة یومذاك والدلیل علی ذلك أنّ كلَّ الانتفاضات الكبیرة التی حصلت فی المدینة المنوّرة أو فی مكّة كانت السلطة الامویة قد واجهتها بجیوش استقدمتها من خارجها، او عیون قدد سوّهم فی بین الناس كما فی قضیة الامام الحسین لاغتیاله (ع) و هذا تختلف عن انتفاضة أهل المدینة ووقعة الحرّة الالیمة، وكما فی مواجهة الامویین لعبداللّه بن الزبیر فی مكّة. [13] .

5) وما قدّمناه لاینافی حقیقة أنّ الامام علیه السلام خرج من مكّة مبادراً قبل شروع أعمال الحجّ خوفاً من أن تغتاله السلطة الامویة فی مكّة، فتنتهك بذلك حرمة البیت الحرام، ذلك لانّ الامویین إنْ لم یكونوا قد تمكّنوا من اختطافه أو اغتیاله طیلة مدّة بقائه الطویلة نسبیاً فی مكّة بسبب احتیاطات الامام علیه السلام وحذره، وحمایته من قبل أنصاره من الهاشمیین وغیرهم، [14] فإنَّ فرصة الامویین لتنفیذ


خطّتهم ستكون مؤاتیة بصورة أفضل عند شروع أعمال الحجّ، وستكون احتمالات نجاحها أكبر، ذلك لانَّ الامام علیه السلام علی فرض بقائه فی مكّة سیكون هو ومن معه وجموع الحجیج مشغولین فی أعمال الحجّ وأجوائها العبادیة، عُزّلاً من السلاح، وسیساعد وجود الامام علیه السلام فی زحام الحجیج كثیراً علی تنفیذ ما أرادته السلطة الامویة به من سوءٍ وشرّ، ولذا بادرعلیه السلام إلی الخروج من مكّة یوم الترویة. [15] .

6) فإذا علمنا من كلّ ما مضی أنّ خروج الامام علیه السلام لم یكن سرّاً، ولم یكن خوفاً من مواجهة حربیة علنیة مع السلطة الامویّة فی مكّة، أدركنا أنَّ هناك لعله كان سبباً آخر رئیساً كان قد دفع الامام علیه السلام الی اختیار السحر أو أوائل الصبح فی ستر الظلام موعداً للخروج، وهذا السبب لعله هو الغیرة الحسینیة الهاشمیة التی تأبی أن تتصفّح أنظار الناس فی مكّة حرائر بیت العصمة والرسالة، والنساء الاُخریات فی الركب الحسینیّ، فی حال خروج الامام علیه السلام فی وضح النهار حیث تغصّ مكّة بالناس.

إنّ هذا لعله هو السبب الاقوی فی مجموعة الاسباب التی دفعت الامام علیه السلام إلی الخروج فی السحر، أو فی أوائل الصبح.

7) یُستفاد من بعض كتب السیر والمقاتل انّ الامام علیه السلام كان قد اعتمر عمرة


التمتع ثم عدل عنها إلی العمرة المفردة لعلمه بأنّ الظالمین سوف یصدّونه عن إتمام حجّه. [16] .

والصحیح تحقیقاً هو أنّ الامام الحسین علیه السلام قد دخل فی إحرام العمرة المفردة ابتداءً، أی لم یكن أحرم لعمرة التمتع ثمّ عدل عنها الی العمرة المفردة.

وقد تبنّی هذا القول من الفقهاء السیّد محسن الحكیم (ره)، والسیّد الخوئی (ره)، والسیّد السبزواری (ره)، وآخرون غیرهم. [17] .

یقول السیّد الحكیم (ره) فی مستمسك العروة الوثقی: (.. وأمّا ما فی بعض كتب المقاتل من أنّه علیه السلام جعل عمرته عمرة مفردة، ممّا یظهر منه أنها كانت عمرة تمتّع وعدل بها إلی الافراد، فلیس ممّا یصحّ التعویل علیه فی مقابل الاخبار المذكورة التی رواها أهل البیت (ع)). [18] .

ویقول الشیخ محمد رضا الطبسی (ره): (المشهور بین الاصحاب رضوان اللّه علیهم أنّ من دخل مكّة بعمرة التمتع فی أشهر الحجّ لم یجز له أن یجعلها مفردة، ولاأن یخرج من مكّة حتی یأتی بالحجّ لانها مرتّبة (مرتبطة) بالحجّ، نعم عن ابن إدریس القول بعدم الحرمة وأنّه مكروه، وفیه أنه مردود بالاخبار.). [19] .

(كما یضعّف أیضاً القول بوقوع التبدیل الی العمرة المفردة هو أنّه لو كان لاجل الصدّ ومنع الظالم فإنّ المصدود عن الحجّ یكون إحلاله بالهدی، كما أشار


إلیه الشهید الاوّل فی الدروس، [20] والشهید الثانی فی المسالك.) [21] [22] .

ولم یَرد فی خبر أو أثرٍ أنّ الامام الحسین علیه السلام كان قد أحلّ من إحرام عمرته بالهدی.


[1] لانّ الامام عليه السلام دخل مكّة في الثالث من شعبان وخرج منها في الثامن من ذي الحجّة.

[2] راجع: كامل الزيارات: 73؛ وتذكرة الخواص: 217.

[3] راجع: تأريخ دمشق، 14:212؛ وتهذيب الكمال، 4:493.

[4] راجع الارشاد: 202؛ وتأريخ الطبري، 3:293 و301.

[5] راجع: التهذيب، 5:436، حديث رقم 162؛ والاستبصار، 2:327 رقم 1160.

[6] تحرزّنا بكلمة (الاعلام) لاننا لايمكن أن نحيط علماً بالمجهولين من الخدم والموالي وغيرهم.

[7] كالشهداء الجهنيين الثلاثة (رض) الذين انضمّوا إليه من (مياه جهينة).

[8] راجع: تأريخ الطبري، 3:277؛ والارشاد: 185.

[9] راجع: الارشاد: 185.

[10] راجع: اللهوف: 26.

[11] لانعلم أنّ مؤرّخاً ذكر أنّ الامام عليه السلام خطب هذه الخطبة في أصحابه إلاّ الشيخ محمد السماويّ(ره) في كتابه إبصار العين: 27، ولم يذكر الشيخ السماوي (ره) المصدر الذي أخذ عنه هذه الدعوي الشاذة.

[12] لمّا امتنع الركب الحسينيّ علي جند الاشدق عند مشارف مكّة، واضطرب الفريقان بالسياط، (وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الامر! فأرسل الي صاحب شرطته يأمره بالانصراف!). (الاخبار الطوال: 244).

[13] وعدا هذا الدليل، هناك إشارات وأدلّة تأريخية عديدة تؤكّد هذه الحقيقية منها علي سبيل المثال لاالحصر ما رواه السيّد ابن طاووس (ره) من أنّ يزيد أمر (عمرو بن سعيد) بمناجزة الحسين عليه السلام (إنْ هو ناجزه!) أو يقاتله (إنْ هو قدر عليه!) (راجع: اللهوف: 27 وراجع التحقيق في متن هذه الرواية في الجزء الثاني من هذه الدراسة: ص 199)، وفي هذا إشعار كاف أوّلاً: بعلم السلطة الاموية بأنّ مواجهة عسكرية علنية مع الامام عليه السلام في مكّة أو عند مشارفها لن تكون في صالحها، وثانياً: بعدم كفاية القوة الاموية لمثل هذه المواجهة.

[14] ودليل ذلك أنّ الامام الحسين عليه السلام وقد احتاط للقائه مع الوليد بن عتبة والي المدينة بحماية مؤلّفة من ثلاثين رجلاً مسلّحاً، تحسّباً لكل طاريء في هذا اللقاء لابدّ وأن يكون قد احتاط لكلّ طاريء متوقّع في مكّة، وهو يعلم أنّ يزيد يريد اختطافه أو اغتياله، ويعلم أنّ الاشدق جبار متكبّر شرّير من أسواء جبابرة بني أميّة وطواغيتها.

هذا ما تقتضيه حكمة وحذر وحيطة الانسان المطارد المطلوب العادي، فما بالك بحكمة وحذر وحيطة الامام الحسين عليه السلام؟!.

[15] هذا فضلاً عن العوامل الاخري التي شكّلت مع هذا العامل الاساس علّة الخروج في ذلك اليوم، كالعامل الاعلامي والتبليغي الهادف الي إثارة تساؤل الناس واستغرابهم من الخروج في يوم التروية وترك الحجّ، ليكون في الاجابة عن كلّ تلك التساؤلات والاستغراب تعريف بالنهضة الحسينية ودعوة الناس الي تأييدها ونصرتها.

[16] راجع مثلاً: الارشاد: 200؛ وإعلام الوري: 230؛ وروضة الواعظين: 177.

[17] راجع: مستمسك العروة الوثقي، 11:192؛ ومعتمد العروة الوثقي، 2:236.؛ ومهذّب الاحكام، 12:349 وانظر: كتاب الحجّ(تقريرات السيّد الشاهرودي): 2:312 وتقريرات الحجّ للسيّد الگلبايگاني، 1:58 والمحقّق الداماد: كتاب الحجّ، 1:333.

[18] مستمسك العروة الوثقي، 11:192.

[19] ذخيرة الصالحين، 3:124.

[20] راجع: الدروس، 1:478.

[21] راجع: مسالك الافهام، 2:388.

[22] الجزء الثاني من هذه الدراسة: 98 وللتعرّف علي تفصيل هذه القضية التحقيقية راجع نفس الجزء الثاني من هذه الدراسة: 93 98 تحت عنوان: (عمرة التمتع أم عمرة مفردة؟).